الأحد، 27 ديسمبر 2009

توفى ولكن.. لم يرحل

تاريخنا البشرى حافل بالكثير من العمالقة فى جميع المجالات.. فى الطب والصيدلة والمعمار والاقتصاد.. لكن فى مجال الفكر كان دايما عدد المفكرين اللى يستحقوا لقب مفكرين مش كتير.. يعنى على مر التاريخ ما كانش فى غير "ارسطو" واحد و "افلاطون" واحد و "بلزاك" واحد و "جاك جان روسو" واحد -فى ناس بتعتبر الجماعة دول عمالقة- واحنا فى تاريخنا الاسلامى كان فى عمالقة فى مجال الفكر اخص منهم بالذكر الحكماء من الصحابة الاوائل امثال سيدنا "على"-كرم الله وجهه- وعلى طوال التاريخ الاسلامى كان عندنا فلتات نادرة امثال ابن خلدون والشيخ العز بن عبد السلام والشيخ الغزالى والشيخ الشعراوى وغيرهم.. صحيح هما ما كانوش افراد كثيرة الا انهم كانوا اصحاب تأثير وبصمة فى تاريخنا الاسلامى زى حال كل المفكرين فى العالم.. عدد قليل وتأثير كبير...
من بين كل المفكرين الاسلاميين كان فى واحد يستحق بكل جدارة لقب "عالم" و "مفكر".. وهو "د. مصطفى محمود" –رحمة الله عليه-.. طبعا انا مش بحاول ابدا انى اتكلم عن د. مصطفى لسببين.. اولهم انى اضأل من انى اتكلم عن عملاااااااق فى حجم د. مصطفى وتانيهم انى هحتاج لسيرفر كامل املاه كلام عن كل جزء من اجزاء حياته الكتيرة والمختلفة والغنية واللى فعلا تثرى فكر وعقل اى انسان يتعرف عليها..
طبعا فى الاغلب معظم الناس فاتها وفاة خبر د. مصطفى واللى توفاه الله يوم السبت 1/11/2009.. انا شخصيا فاتنى الخبر وعرفت عنه بالصدفة من زميل ليا فى الجامعة.. وده بسبب تقصير منى فى حق انسان ادين له بالفضل بعد الله تعالى فى كل ما اعرفه وما تعلمته فى الدنيا دى.. بس احمد ربنا انى قدرت احضر الجنازة بتاعته.. وهو ده اللى انا عايز اتكلم عنه..
جنازة د. مصطفى كانت فى سرادق عزاء ضخم فى شارع جامعة الدول العربية فى المهندسين امام مسجد محمود-اللى بناه د. مصطفى واطلق عليه اسم والده-.. السرادق كان كبير جدا جدا.. ولكن للاسف الجنازة كانت مهينة.. كانت مهينة فعلا لينا احنا مش لصاحب الجنازة اللى مقامه اعلى من ان يهان.. خلونى بس اوصف سرادق العزاء وبعدين اقول كانت مهينة لينا ليه..
-نسبة اشغال السرادق كانت اقل من 50% من الكراسى الموجودة.. ولكم ان تتخيلوا حد بحجم د. مصطفى يكون سرادق عزاءه فاضى!!!
-غياب تام وغريب لكبار رجال الدولة.. لا المحروس ابن الريس-باعتبار ان د. مصطفى من اعلام مصر كان لازم يكون فى تمثيل رئاسى- ولا وزراء(احسن انهم ما جوش) ولا شيخ الازهر ولا مفتى الجمهورية ولا حتى علماء منا الازهر باستثناء قلة واضح انها من معارف د. مصطفى
-عدد الشباب اللى كانوا هناك وقت حضورى ما يتجاوزش ال 12 او 13 شاب.. ودى فى حد ذاتها كارثة ان يبقى الشباب مش عارفين اسطورة زى د. مصطفى مع انهم خبراء فى فساتين هيفا...
-المشاهير اللى كانوا هناك-مع احترامى ليهم- مش حاجة بحجم د. مصطفى ابدا... كان هناك د. نبيل فاروق و الاعلامى وائل الابراشى و عمرو اديب-مش عارف ايه اللى وداه ده- وهشام عباس ومحمد هنيدى وكان فى ناس تانية انا مش اعرفها بس كان الاعلام مركز عليهم.. واضح انهم مهمين يعنى
-تغطية الاعلام كانت حاجة تكسف.. كاميرا قناة اقرأ وكاميرا قناة الوصل الامراتية وكاميرا تالتة مجهولة الهوية... وغياب تام لكاميرات التلفيزيون المصرى-فى الاغلب كانوا بيصوروا ال اندر وير الجديد بتاع هيفا.. مهو ده اخرهم-
لكن عشان الامانة تليفزيون النيل كان بيصور وقت تشييع الجنازة
http://www.youtube.com/watch?v=NzQPUXYxa7E&feature=related

اعتقد بعد الوصف ده مش محتاج اقول ليه جنازة الاسطورة الراحل د. مصطفى كانت اهانة لينا كمصريين.. انا فاكر فى التسجيلات ان لما عبد الناصر مات القاهرة كلها طلعت وراه... لا تقريبا مصر كلها.. وكمان لما عبد الحليم مات مصر كلها طلعت المناديل ونزلت تسح وتنح فى الشوارع.. ولما البوم عمرو دياب الاخير نزل سمعنا عن انطلاق حملات خرافية لشراء الخرة اللى هو بيقوله.. وفى شباب اعرفهم ما شاءالله عليهم كانوا بيتناقشوا فى انهم يحضروا حفلة الست بيونسيه هانم ومحدش منهم حضر معايا الجنازة غير واحد-يمكن بيونسيه اتراكتيف اكتر من د. مصطفى-.. طيب فين كل دول من جنازة شخص ما اتكررش فى التاريخ..
من وسط كل المفكرين اللى مروا فىا لتاريخ انا ما سمعتش عن حد كانت تجربته زى د. مصطفى.. حد انتقل من قمة الشك لقمة اليقين.. حد انتقل من ان "مفيش حاجة اسمها اله" الى "التصوف".. حد اضاف فعلا مش للعلم وانما للمتعلمين.. د. مصطفى الميوة الرهيبة اللى فيه انه دايما بينظر من زوايا محدش ابدا بيقرب منها وعشان كده بيشوف كل الحاجات اللى محدش بيشوفها فى الشىء موضوع الدراسة.. واى حد بيقراله لازم هيتعلم منه حتة ازاى يفكر بطريقة مختلفة.. ازاى يشوف اللى فعلا لازم يتشاف مش اللى كل الناس شايفاه وخلاص.. الله يرحمه كان عبقرى ومبدع وعالم واديب ومفكر اسلامى من طراز غير موجود اصلا.. شخص جمع بين اكتر من توصيف واستحقهم كلهم حتى انك لو اتكلمت عن كل صفة من صفاته ما يكفيكش لو تتكلم عمر كامل...
انا من اشد معجبين مصطفى محمود –رحمه الله واسكنه فسيح جناته- بل انى بسمح لنفسى انى اشرف شخصى الضئيل واطلق عليه لقب استاذى واتمنى انى فى يوم اوصل لمرحلة انى ابقى استحق لقب تلميذ مصطفى محمود.. يمكن عشان كده ناس تقول انى ببالغ فى قدر د. مصطفى.. واللى هيقول كده بصراحة انا مش هتعب نفسى وارد عليه.. لكن انا عايز اعتذر لـ د. مصطفى ان ضآلة عقلى واسلوبى مانعينى من انى اوفيه حقه وانا بكتب عنه ولكن الله يعلم قد ايه قدره عندى واتمنى يا رب انى افضل اتعلم من العلم اللى افنى عمره فيه...
فى بس موقف واحد انا عايز اذكره حصل من سواء التاكسى اللى ودانا عند السرادق.. هحكى نص الحوار ومش محتاج اعلق..
-"هو ليه مفيش تاكسيات راضيه تودينا عند مسجد مصطفى محمود يا اسطى؟"
-"اصل شارع جامعة الدول مقفول انهارده.. مش عارف ليه"
-"د. مصطفى اتوفى امبارح وجنازته انهارده هناك"
-"عشان كده.. الله يرحمه (اهو ده بقى واحد ندعى له بجد ان ربنا يغفرله ويسامحه لانه ساعد ناس غلابة كتير اوى)"

انا بس عايز اقول ان اللى زى د. مصطفى مش بيرحل عن الدنيا ابدا.. هو يمكن توفى وفارقنا بجسده الا ان روحه لسه موجوده فى كتبه وعلمه اللى مش هينقطع ابدا باذن الله عشان نفضل نتعلم منه احنا والاجيال اللى بعدنا واللى بعدها و......
فى مقوله جميلة لـ د. مصطفى-رحمه الله- بتقول:
"قيمة الانسان فيما يضيفه للحياة بين ميلاده ووفاته"

فى اعلى مراتب الجنة ان شاءالله يا د. مصطفى وربنا يعلمنا من علمك ويلحقنا بيك فى الجنة مع رسول الله.. اللهم آمين

ليست هناك تعليقات:

Facebook Blogger Plugin: Bloggerized by AllBlogTools.com Enhanced by MyBloggerTricks.com

إرسال تعليق

visitors