الاثنين، 13 مايو 2013

"مريم".. مسلمة من الشيعة


فى هذه التدوينة ان شاءالله سأتكلم عن شخصية واقعية من رواية "بنات ايران" التى قرأتها مؤخرا وتركت فى نفسي اثرا عظبما عن كثير من الأشياء..
الشخصية التى سأتناولها هنا هى "مريم", ومريم هى الخالة البيولوجية لكاتبة الرواية "ناهيد" والأم الفعلية لها, "مريم" كانت الأخت الأكبر لـ "محترم" الأم البيولوجية لكاتبة الرواية, ولم يرزقها الله بالأولاد من زواجها وتوفى زوجها دون أن تنجب وكانت تتمنى ان يكون لها طفل تعيش معه ما لم يتسني له أن تعيشه مع أطفال من دمها, فطلبت من شقيقتها "محترم" أن تهبها أحد أولادها ووعدتها شقيقتها الصغرى التى كان الله انعم عليها بالوفرة فى الأبناء بأن تعطيها الطفل القادم وقد كانت "ناهيد" كاتبة الرواية..

ربما كانت شخصية "مريم" الشخصية الأهم والتى تركت أكبر انطباع لدي فى الرواية رغم انها ليست الشخصية الأساسية فى النص ويعود ذلك لنقطة مهمة بالنسبة إلي وطالما شغلتني وهى أنها كانت تنقل صورة لـ"المسلمة الشيعية المتدينة" وهذا سيكون محور حديثنا هنا..
بداية فمريم كانت امرأة بسيطة أمية لا تقرأ ولا تكتب ولكن لديها قلب يفيض بالحب للخير ويفيض بالحنان على الصغيرة "ناهيد" التى احتفت بها كما لو كانت أمها الحقيقية بل وأكثر..
وكانت "مريم" تعيش فى احد احياء مدينة طهران القديمة التى لم تلوثها بعد امتداد الثقافة الأمريكية على يد الشاه محمد رضا بهلوى الذى أراد أن يجعل من إيران نسخة من أمريكا حتى يثبت للعالم انه رئيس عصرى متحضر يستحق دعمهم المتواصل,, وكانت "مريم" تعيش فى بيت ايراني تقليدى مكون من 3 قمرات يتوسطهم فناء مشترك وكانت "مريم" و "ناهيد" يقطنون احدها بينما كانت "مريم" تؤجر القمرتين الأخريتين.

كانت "مريم" مثال للمسلمة الشيعية الملتزمة,, فقد كانت تضع "الشادور" وليس فقط غطاء الرأس سواء كانت خارج المنزل أو فى حضرة رجل اجنبي داخل المنزل كأزواج اخواتها, والشادور هو غطاء للجسم يضعه الإيرانيون نطلع عليه "الإسدال" وكانت مريم تلتزم بالصلاة فى مواعيدها فكانت تصلي فى اليوم 3 مرات مرة بعد الفجر وأخرى بعد الظهر وأخيرة بعد العشاء, وكانت حين تصلى تضع "قرص الطين" على الأرض للسجود عليه كعادة الإيرانيين وكانت مريم لا تحتسي الخمور أو تجلس فى مكان يشرب فيه الخمور.
وكانت مريم تأتى بالشيوخ الى البيت ليلقون اليهم بالعلم ويحدثوهم عن النبي محمد-صلى الله عليه وسلم- وكيف أن على-رضى الله عنه- كان الأولى بخلافته كما يعتقد الشيعة ويحدثونهم عن كربلاء وقتل سيدنا الحسين-رضى الله عنه-,, وكانت تأخذ الصغيرة "ناهيد" الى مسرحيات دينية فى طهران تمثل قتل الحسين الى آخره من المعتقدات الشيعية..
وكانت "مريم" تحسن الى جاراتها وتساعدهم فى حياتهم اليومية ويتشاركون اعداد الطعام والاهتمام بشؤن المنزل وما الى ذلك من الحياة اليومية.. باختصار كانت مريم سيدة مسلمة امية متدينة لا تختلف عن جدتى او جدة أى أحد منكم
وبعد ان رحلت عنها "ناهيد" بسنوات بعدما أخذها والدها لتعيش فى الأهواز مع اخوتها ووالديها الحقيقيين, كانت "مريم" كثيرة التردد على كربلاء والأماكن الأخرى التى بها "مراقد مهمة" وكانت تشعر بالسكون والراحة فى هذه الأماكن الدينية حسب معتقداتهم, وعندما تقدمت فى السن انتقلت للإقامة فى كربلاء لتكون بجوار مرقد الإمام الحسين-رضى الله عنه-..

توقفت كثيرا أمام هذه المشاهد بالتأمل.. نحن أمام حالة غريبة علينا نحن كسنة,, فكل ما تؤمن به وما تعرفه "مريم" عن الإسلام يشوبه مغالطات بعضها هين وبعضها كارثي يدخل فى نطاق الشرك وهذا أمر لا جدال فيه.. ولكن....
نحن فى نفسالوقت نجد أنفسنا أمام "مسلمة" ممتازة لديها رغبة حقيقية فى معرفة دينها والإلتزام بما تعرفه عنه والتمسك بكل ما يصلها منه, بل والسعي لمعرفة المزيد عن طريق استقدام الشيوخ فهى امية ولا وسيلة لها غير ذلك..
وهنا نصل الى نقطة مهمة.. ما الفارق بين "مريم" وبين جدة أى منا التى نشأت فى الأرياف أمية وكل ما تعرفه عن الدين هو ما تستمع اليه من شيخ القرية؟
وما ذنب مريم أن من ينقل اليها الدين قد تعلمه بصورة خاطئة؟
النظرة العادلة توحي ان ذنبها الوحيد انها نشأت فى أرض شيعية.. فقط.. فلو كانت نشأت فى مصر مثلا أو الحجاز لكانت التزمت بتعاليم الدين "المتعارف عليها" فى هذه المناطق بالنظر لأنها شخص يسعى للتمسك بتعاليم دينه فى الأساس
اذا هل حقا "عوام الشيعة" كفار ومشركون كما يروج لنا دعاة الوهابية؟
نعم أعلم ان عقيدتهم بها الكثير من الشركيات.. ولكن هذا ما لديهم وهذا ما يعرفوه.. وها نحن امام حالة واقعية لإنسانة تلتزم بكل ما تعرفه عن دينها وتتمسك به بشدة رغم تغيرات المجتمع نحو التمدن والعصرية من حولها.. فما يجعلها أقل من مثيلتها فى أرض السنة؟؟

هذه التدوينة ليست محاولة لوضع الشيعة فى الجنة أو النار.. فكاتبها لا يعلم مصيره هو شخصيا وان سيذهب به يوم القيامة..
ولكنا فقط محاولة للفت انتباه ابناء ديني لأن لنا إخوة فى الدين يحبون دينهم مثلنا وربما أكثر ويتمسكون به مثلنا وربما أكثر كل ذنبهم أنهم نشأوا فى أرض بها عقيدة محرفة
محاولة للفت نظر أبناء دينى أن واجبنا نحو هؤلاء ان نعاملهم كما نعامل غيرهم من المسلمين.. نعاملهم بالرفق واللين والود والنصيحة ونشر العلم والا نعاد منهم الا من يعادينا مع اخذ الحيطة والحذر وكافة الإحتياطات اللازمة لمنع تسرب شذوذ عقائدهم الينا..
هى فقط محاولة للنظر إلى الأمور بطريقة أكثر واقعية وليس فقط منظور الكتب المجردة وأحاديث من لا يفقهون شيئا فى الدين..
الشيعة إحدى الفرق الإسلامية وهم كغيرهم لهم ما لهم وعليهم ما عليهم,, ننكر منهم ما يخالف عقيدتنا ونتفق معهم فيما نتفق عليه..
وأخيرا يجب التنويه عن أن كلامى هنا عن "عوام الشيعة" وليس عن أئمتهم, فحتى الآن انا ارى قادتهم على انهم "أئمة الكفر" وليس لدى من العلم ما يكفى لتغيير هذه النظرة..

والحمدلله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله,, ان كانتوفيقا فمن الله وان كان خطأ أو نسيان فمن نفسي والشيطان.

هناك تعليقان (2):

abeer ahmed يقول...

تعليق رائع
مريم ايضا جذبتنى اليها واحببتها
كنت ارى فيها صورة المراة الايرانية البسيطة الحقيقة والتى لم تجذبها مظاهرالمدنية عند تجار البترول من الامريكان فتخلت عن هويتها لتقلدهم

كنت اقرأ بتمعن كل مشاهد مريم ,, كم كانت جميلة وقريبة منا فى ذات الوقت ,, رايت فيهاالمصريات فى الريف والصعيدوتلك العلاقة النقية القائمة على الفطرة بينهم وبين الله

بالنسبة لى: اى ان الشيعة من الفرق التى تشوب عقيدتها الكثير من الضلال
ونحن يجب ان نحرص ان نتمسك بعقيدتنا بتعلم صحيحها
وكما خاطب الله رسول: فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر ,, علينا ان ندعو للصحيح بالحكمة والموعظة الحسنة ,, ونترك الله يهدى من يشاء
كما ان الله لم ينهانا عنهم طالما انهم لم يقاتلونا فى الدين ولم يخرجونا من ديارنا,,

شكرالك
وارجوا انك تشركنى فى خوطرك خاصة عن كتب مشتركة قرأناها

eslam يقول...


سعيد بتشريف حضرتك لمدونتى المتواضعة وتعليقك الرائع يا دكتور واتفق معاكى تماما فى انها بتنقل صورة "حقيقية" عن المجتمع الايرانى الأصلي قبل ان تشوبه تغيرات السياسة..

وكما ذكرتي حضرتك الفصل بيننا وبينهم زى الفصل بيننا وبين أى حد وهو اللى حددته الآية الكريمة :)

متشكر يا دكتور انا الحقيقة كنت محرج انى اكون باثقل عليكم بالدعوة لقرائتها :)

Facebook Blogger Plugin: Bloggerized by AllBlogTools.com Enhanced by MyBloggerTricks.com

إرسال تعليق

visitors