منذ نهاية ثورة يناير وانطلاق التيارات التى تسمى نفسها
بالـ "إسلامية" انتشرت فى البلد موجة تكفيرية رهيبة وصار كل من يخالفهم
هو عدو لله و محارب للدين ورافض للشريعة
وسرعان ما انقسمنا الى فئتين. فئة مسلمين هم أصحاب اللحى ومن والاهم وفئة أخرى من
الكفار المسلمين وهم من هم على شريعة محمد
بن عبدالله وليس محمد بن عبدالوهاب.
وأنا كغيرى من الشباب تم تكفيرنا من أصحاب اللحى فى
مناسبتين مختلفتين:
- الثانية بعد الثورة عندما رفضنا اتباع شريعتهم
فاعتبرونا من المرتدين واعداء الدين ورافضى الشريعة.
- والأولى قبل الثورة عندما كان نفس هذه الوجوه ليست
أكثر من آداة فى يد جهاز أمن الدولة يطلقها على الشباب الذى يحاول اسقاط نظام
مبارك المستبد الفاشى, فكثيرا ما خرجوا علي الناس بفتاوى تكفيرنا مثلما يحدث الآن.
من واقع اتصالى سابقا بالعديد من الشباب اللى الإسلاميين
بيسموهم ليبراليين ايام ما كنت بنزل الشارع ومتابعتى حاليا لطائفة لا بئس بها من
هؤلاء الزنادقة بعد ما ربنا كرمنى وبطلت العمل العام, قدرت أقسمهم لعدة فئات من
حيث النظرة للدين:
1 - فئة ترى ان الدين شىء أساسي فى الحياة ويتحكم فى
جميع جوانبها ونواحيها وتتمنى أن يطبق فعلا ولكنها لا ترى من قدم مشروع يحمل روح
الدين بعد ولذلك فهى معلقة ما بين الليبرالية المحافظة والأسلمة الغير منغلقة..
وهى الطائفة اللى بنتمى ليها وربما أغلب الشباب الليبرالى الزنديق.
2 - فئة ترى ان الدين شىء جميل ولطيف وبه روحانيات وفيم
سامية الا ان هذا هو قدره فقط ولا علاقة له بباقى نواحي الحياة, وهى نظرة نتجت من
جهل بمفهوم الدين يرجع غالبا الى التنشأة الخاطئة.. ولذلك فهى فئة لا تعادى الدين
ولكنها لا تنتظره او تبحث عنه لأنه فى فهمها لا مكان له من الحياة.
3 - فئة ثالثة تعادى الدين عداءا صريحا وواضحا وتهاجمه
وليست تهاجم الإسلاميين وانما الإسلام نفسه, وتهاجم المسيحية أيضا, فهى فئة يستوى
عندها المسجد والكنيسة وترى ان كلاهما مصدر للسيطرة على البشر بحجة الإله الوهمى
وشريعته التى جاء بها بشر ليسودوا العالم ولم تنزل من سماء.. وهى فئة قليلة جدا
الا ان لها صوتا يسمع صداه أعلى يوما بعد يوم, وتنتشر بين الشباب بشكل ليس مخيفا
لكن لا يمكن تجاهله...
فى التقسيمة السابقة نجد انه باستبعاد الفئة الثالثة
فإننا نستطيع ببساطة أن نضم الفئتين الأولى والثانية تحت مظلة المشروع الإسلامى
إذا ما توافر هذا المشروع أولا واذا ما سعى القائمين عليه لتوعية وإفهام هؤلاء وسد
ما ينقصهم من مفاهيم ومبادىء عقائدية تجعلهم يكونوا أول المدافعين عن مشروع
الإسلام...
وهنا السؤال موجه الى من يقدمون أنفسهم على أنهم أصحاب
المشروع الإسلامي..
هل صدرت منكم أى محاولة لتوعية هذا الشباب التائه بفكرة
دولة الإسلام؟
هل قدمتم اليهم ما يجعلهم يعيدون النظر فى أفكار خاطئة
تسللت اليهم بفعل غياب المرشد والناصح؟
هل حاولتم أبدا أن تضموهم الى فريقكم.. فريق الإسلام كما
تقولون؟
ام انكم اكتفيتم باتهامات التكفير والزندقة ومعاداة
الدين والفسق والفجور؟
هل حاولتم أن تعلموهم قبل أن تكفروهم؟
هل حاولتم أن تصدروا لهم خطاب ود ودعوة وسماحة يجذبهم
إليكم؟ أم أن كل ما صدر منكم وعنكم تجاههم كان التشويه والتشكيك والتكفير؟
لماذ لم تستغلوا كل الفرص التى سنحت لجذبهم؟
هذا الشباب قبل بالاتحاد معكم فى غير موقعة, فلماذا لم
تستغلوا الفرصة لضمهم اليكم؟ الى مشروع الإسلام؟
لماذا منعتم عنهم ما آتاكم الله من العلم؟
لنأخذ مثالا للتوضيح بشخص د. محمد البرادعي كمثال لأحد
أكثر من طالتهم اتهامات التكفير من التيار الإسلامى رغم أنه أول من تحدث عن حقوقهم
فى ممارسة السياسة أيام المخلوع وأول من نقلهم من العمل فى الظلام الى النور
بمشروع التغيير والجمعية الوطنية للتغير..
من خلال خبرتي بالدكتور كأحد أكبر معجبيه وأحد أكثر من
يؤمن بنقاء شخصه ونزاهة مبادءه, فأنا أعتقد ان دكتور البرادعى ينتمى الى المجموعة
الثانية من التقسيمة السابقة.. فهو من خلال معرفتى به رجل يحترم الدين الإسلامى
كما يحترم غيره من العقائد, إلا أنه لا يستوعبه كاملا بكافة جوانبه(حسبما يترائى
لي من أحاديثه) وهو أقرب للفريق الثاني..
كيف كان تعامل التيار الإسلامى مع شخص مثل البرادعي؟
- قبل الثورة كان التكفير والتشويه بأوامر أمن الدولة
ونظام مبارك.
- بعد الثورة كان أيضا التكفير والتشويه لأنه لاعب قوى
خطر على مشروعهم ويجب إقصاءه بأى وسيلة.
لماذا لم نرى منهم محاولات للحوار؟ لماذا لم نرى من
عقلائهم-إن وجدوا- محاولات للتقريب؟
فى الإسلام عند إقامة حد الردة(القتل) يستتاب الشخص قبل
تطبيق الحد عن طريق ما يسمى بـ "إقامة الحجة" فإما أن يعود الشخص وإما
أن يقام عليه الحد.
فإذا إفترضنا أن البرادعي علمانى كافر كما يقول هؤلاء,
لماذا لم يحاول أحدهم استتابته أو إقامة الحجة عليه؟
و اذا افترضنا أنهم يعتبرونه مسلم ضال, لماذا لم يذهب
إليه أحدهم يجلس معه يحاوره ويكشف له ما خفي عنه من أمور الدين؟
إذا كانوا أهل علم كما يدعون, لماذا لم يقوموا بدورهم فى
الدعوة؟
لماذا كل ما يصدر عنهم هو حوار مريض منحرف ينفر لا يجذب؟
لماذا كلما تكلموا عن غيرهم أظهروه كعدو للدين؟
لماذا ولماذا ولماذا؟
أهكذا انتشر الإسلام وسادت رسالته؟
لو كانوا حقا أهل إسلام وأصحاب مشروع إسلامى لسلكوا مسلك
الإسلام وطريق نشأة دولته الأولى..
التيار الإسلامي يبرع فى ضرب الأدلة واحدا تلو الإخر على
أنه أبعد عن الإسلام من أعداء الإسلام, وأن كل ما يهم أقطابه هو مصالح دنيوية بحتة
الإسلام برىء منها ومن كذبهم باسمه, فهم لم يقدكوا للعالم دعوة, ولم يقدموا تربية,
ولم يقدموا فكرة.. فقد جاءوا بقلوب غليظة وألسنة سليطة وعقول متحجرة ورغبة سادية
عنيفة متسلطة..
ولو كان هذا هو الإسلام حقا لما استمر حيا ما يزيد عن
الأربعة عشر قرنا ولما قاوم كل هجمات أعداءه الذين يهجمون عليه باسم الشيطان مرة
وباسم الإله مرات...
وختاما اذا كان فيكم من يعقل فلكم هذه النصيحة علها تكون
بابا للم شمل يأبى من تلوث جراحه أن يلتأم..
التــفكـيـــــــــــــــــــــــــــر.. قبل التكفير
والله
الموفق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق