الأحد، 20 مارس 2011

و اذا كان الترقيع حراما.. فلماذا يقبله المصريون؟

أكتب مقالى هذا فى اليوم التالى لاستفتاء 19 مارس وفيه أحاول ان ابحث فى الأسباب التى قد تدفع المصريين لقبول التعديلات الدستورية المحدودة التى أعدتها لجنة المستشار "طارق البشرى" والتى اجرى حولها العديد من النقاشات القوية لمناقشة جميع الأوجه والاطراف المتعلقة بها.


وهنا أحب أن أوضح اننى من اللذين يرفضون التعديل الدستورى ولكن يقبلون بالتعديلات المطروحة.. ولذلك كان قرارى حاسما بالتصويت بـ "لا" فى الاستفتاء على "تعديل الدستور".. كما أحب أن أؤكد على احترامى التام والكامل لكل من يخالفنى فى الرأى باستثناء الاخوان المنافقون..

وبما انى من الفريق الأحمر كما يعرف فى أوساط قبائل الانترنت فمن حقى ان اعتبر ان اصحاب الفريق الأخضر جانبهم الصواب فى الاختيار وهذا ليس انتقاصا من قدرهم كما ان اعتبارهم لى ولبنى عشيرتى من الفريق الأحمر قد جانبنا الصواب.. فهذه هى الديموقراطية.. ان اختلف معك وأؤمن انك مخطىء ولكن احترمك وانتقدك بأسلوب لائق-ملحوظة.. يستثنى الاخوان من هذه الفقرة-



فى السطور القليلة القادمة احاول ان أجيب عن سؤال يجول فى بال الجميع من أبناء الفريق الأحمر: "لماذا يوافق البعض على تعديل الدستور؟"

فى رأيى الأسباب ليست كثيرة ويمكن حصرها فى عدة نقاط رئيسية تنبثق عنها نقاط فرعية محدودة احيانا وارتبها حسب الأهمية من وجهة نظرى الشخصية:

1) نقص الوعى لدى عموم الشعب بشؤن السياسة: ويخطىء من يظن ان هذه تهمة أو استخفاف او استعلاء على جموع الشعب المصرى.. فليس من العقل ان ندفن رؤسنا فى الرمال كالنعام ونتغاضى عن اخطائنا ونصلح من عيوبنا فقط لأننا شديدى الفخر(وبالمناسبة انا شديد الفخر بمصر والمصريين الى حد يزعج اصدقائى الغير مصريين والعرب خصوصا.. الا ان هذا لا يمنعنى من نقد سلبيات الوطن للوصول للصورة الأمثل).. وقد ظهرت أدلة نقص الوعى فى العديد من الصور التى لا حصر لها وأخص منها على سبيل المثال لا الحصر:

- سكوت المصريين عن المطالبة بحقهم ى الحرية والحياة الكريمة طوال 60 عاما تفصل بين ثورة يوليو وثورة يناير.

- موقف الأغلبية المضاد للثورة فى بدايتها واستمرار المواقف المناهضة طوال ايام الثورة(ورغم ان الاستمرار جاء من الأقلية الا ان هذا ليس مؤشرا لنمو الوعى لدى الشعب بين ليلة وضحاها وانما له تفسيرات اخرى كثيرة لسنا فى مجال يسمح بسردها)

انخداع ما يقارب نصف الشعب المصرى بخطاب مبارك الشهير ليلة موقعة الجمل رغم عدم وجود اى ادلة على التزام مبارك بوعوده ورغم تاريخه الطويل الملىء بالكذب والنفاق والتضليل

- موقف الشعب المصرى من مشروع التغيير والذى استجاب له القليل(ونحمد الله ان هذا القليل كان هو محرك الثورة) ومحاربة الأغلبية له اما خوفا او يأسا.

- المؤشر الأكبر والنقطة الأكثر مدعاة للسخرية والحسرة وهى موقف المصريين من د. محمد البرادعى وتصديقهم لجميع الاشاعات التى اختلقت عنه بدون البحث عن دليل والأغرب والأكثر مدعاة للسخرية والحسرة والأكثر تأكيدا لنقطة نقص الوعى هى عدم تصديق الناس للأدلة الدامغة على كذب ادعاءات المدعين بخصوص الرجل.

والمواقف والأدلة كثيرة ولا مجال لحصرها أبدا ونحن بهذا انما نحاول الرد على بعض من سيخرج ويقول: "من يتهم الشعب المصرى بنقص الوعى فهو جاهل"

اما عن اسباب نقص هذا الوعى فهى كلها أسباب قوية ومؤثرة بالفعل نذكر منها:

- تعمد الانظمة السابقة اقصاء جموع الشعب من المشاركة السياسية والهائهم عنها اما بالترهيب المباشر او بوسائل الالهاء الأخرى مثل ضيق المعيشة.

- الشعب المصرى مازالى حديث العهد بـ "الحرية" ولا نستطيع حتى ان نصفه بأنه حديث العهد بـ "الديموقراطية" لأن الديموقراطية تأتى بعد الحرية والشعب قد حصل على حريته قبل بضعة ايام ولم يصل بعد الى محطة الديموقراطية.. فنحن فى المنطقة الفاصلة بين الاثنين وهذا أمر طبيعى.

- افتقار الحياة السياسية المصرية طوال الفترة السابقة الى سياسيون حقيقيون يستطيعوا حشد الجماهير خلفهم واقناعهم بتعلم السياسة لأنها جزء لا يتجزأ من حياتهم.. وربما يمكن اعتبار د. محمد البرادعى ثم د. ايمن نور ثم النائب حمدين صباحى-على الترتيب- الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة.

- الاعلام المضلل لعقود متوالية والذى قام بفعله فى اضعاف العقل المصرى وخلط المفاهيم لديه واقصاءه من اى عملية يشوبها تهمة التفكير او اعمال العقل.. ناهيك عن التشويش المجحف للشخصيات المحترمة التى تظهر بين حين وآخر ويظهر معها امل فى الخروج من قاع الزجاجة فيعمل الاعلام على القضاءعلى هذه الرموز.

كلها وغيرها أسباب كافية لنقص الوعى السياسى لدى جموع الشعب البسيط وهذه ليست جناية ولكنها مشكلة حقيقية تستدعى آليات فعالة منظمة لحلها.





2) انحراف الخطاب الدينى: و عندما نتحدث عن الخطاب الدينى فلا بد ان نقسم المجتمع المصرى الى 5 أقسام رئيسية دينيا..

- عموم المسلمين الغير منتمين لأى من التيارات الفكرية.. وهؤلاء الأقل تأثيرا بالانحراف الفكرى للخطاب الدينى فى مصر نظرا لأنهم يقفون على درجات بين الابتعاد المطلق عن تعاليم الاسلام وبين الالتزام الفطرى بجوهر الاسلام دون الاطلاع على كثير من نصوصه.

- جماعة الاخوان المسلمين.. وهى تعد الجماعة الأبرز فى فئة "المتاجرين بالدين" كما رأينا جميعا على طوال تاريخها السياسى من بعد حسن البنا رحمه الله-ولا أتحدث هنا عن الشق الدعوى- فما تمارسه الجماعة من بلطجة فكرية دائما باسم الدين لهو ابشع صور الانحراف فى الخطاب الدينى وقد رأينا هذا فى استفتاء 19 مارس فى ما اشاعوه بان الموافقة على التعديلات واجب شرعى وهذا لحشد عموم الناس الغير منضمين للجماعة لدعم موقفهم عن طريق الصبغة الاسلامية لمسار مصلحة لجماعة.

- جماعة السلفيين.. وهم فى رأيى أحد أبشع الأوجه لانحراف الخطاب الدينى الا ان انحرافهم غير انحراف الاخوان.. فالاخوان يبحثون عن مصالح دنيوية يصيغون لها من الاسلام ما يخدمهم.. اما السلفيين فهم يغارون حقا على الدين ويعملون فعلا على حمايته الا انهم للأسف نسيوا قبل هذا ان يتعلموا الدين ويفهموا حقيقته واخذوا نصوصه بظاهرها وتركوا فهم هذه النصوص.. وهؤلاء انخدعوا بدعوة الاخوان الاسلامية المظهر فأثروا على مريديهم بالقبول من باب الحفاظ على المادة التانية من الدستور ومحاربة النصارى وقد سلكوا لهذا طريق: "نعم تدخل الجنة ولا تدخلك النار".

- الكنيسة.. وهى أحد اوجه صور الانحراف فى الخطاب الدينى لاشتراكها مع الاخوان والسلفيين فى عهد البابا شنودة الثالث فى تغذية الاحتقان والفرقة الطائفية واشعال نار الفتنة بين المسلمين والمسيحيين من خلال التعامل بنفس مبدأ السلفيين"من ليس معى فهو كافر"

- الأقباط الغير متأثرين بأفكار الكنيسة.. وهم مثل الصنف الأول من المسلمين وتأثير انحراف الخطاب الدينى عليهم هو نفسه على الصنف الأول من المسلمين.



3) الارتباك الذى أصاب عموم الناس والذى عبروا عنه باعتراف معظمهم-بمن فيهم بعض النخب- بالحيرة فيما يتعلق بموضوع تعديل الدستور.. ويرجع هذا الارتباك الطبيعى والمبرر لأن الشعب عاش طويلا غير مسؤلا عن حياته وغير ملزما بتخطيط مستقبله وقد اعتاد على هذا ثم فجأة وجد نفسه فى موقع المسؤلية بدون ان تتاح له الفرصة ليتعلم كيف يضطلع بهذه المسؤليةاو يتجهز لها.. فمن الطبيعى ان يكون التخبط وان يستجيب الناس لأول من يحدثهم بأى وسيلة حتى وان غابت عنها الحقيقة أو المنطقية وهذا ليس غريبا فى ظل غياب الوعى الكافى.



4) عدم تكافؤ الفرص بين فريقى نعم و لا.. فالأول يضم "الحزب الوطنى والأخوان" وهما الفئتان المنظمتان والفئتان القادرة ماديا على الانفاق.. اما الفريق الثانى فهو يضم باقى الطوائف والتى جميعا ينقصها التنظيم الموارد المادية وهذا ليس عيبا فيها فجميعها حديث النشأة وطبيعى الا يكون بالانتشار الكافى فى الشارع.



5) رغبة المجلس العسكرى فى التخلص من عبء السلطة سريعا مما دفعه للايحاء للناس بالموافقة على التعديلات بشتى الوسائل المشروعة احيانا والغير مشروعة أحيانا أخرى.. وهنا يجدر الاشارة لأن الثقة التى يتمتع بها المجلس من غالبية الشعب لها دور فى نزول الشعب على ارادة الجيش ايمانا منهم بأنه بدون شك يعرف الأصلح وانهم يثقون فيه.



هذه من وجهة نظرى الأسباب الأكثر أهمية لقبول تعديل الدستور

ليست هناك تعليقات:

Facebook Blogger Plugin: Bloggerized by AllBlogTools.com Enhanced by MyBloggerTricks.com

إرسال تعليق

visitors