فى البداية أحب أن أنوه ان عنوان التدوينة هو عنوان أحد
كتب أستاذى ومعلمى الجليل (د. مصطفى محمود) رحمة الله عليه وأرجو ألا أثقل عليكم
بطلب قراءة الفاتحة له ولموتى المسلمين جزاكم الله وايانا خيرا..
---------------------------------------------------------------------------------
دائما ما كان يشغلنى ذلك الأمر الذى لم يكف يوما عن
ملاحقة فكرى ومخاطبة عقلى,, ودائما ما كان النقاش بينى وبينى ينتهى حيثما بدأ دون
أن أجد جواب شافى.. دائما ما يبقى ذلك السؤال الحائر يبحث عمن يجيب عنه إجابه تقضى
على ما يحمله من حيرة وما يرفضه من ردود معلبة جاهزة تلقى فى وجهه اذا ما انطلق
يوا بحثا عن مجيب..
كنت دوما منشغلا بفكرة ما هو موقفنا من اهل الكتب
السماوية الأخرى؟ هل نعتبرهم من أهل الكتاب؟ أم نعتبرهم من الكافرين لأن منهم من
يعبد غير الله؟ واذا كانوا من أهل الكتاب فكيف لا نعتبرهم كفار ومنهم من يعبد غير
الله؟ واذا كانوا كفار فمن هم أهل الكتاب الذين جاء ذكرهم فى القرآن الكريم؟ ما
صفتهم؟ وما زمانهم؟ وكيف نعرفهم؟ وما معنى "أهل الكتاب" أصلا؟ فمسيحيى
اليوم ويهوديى اليوم عندهم التوراة والإنجيل؟ واذا كانت كتبهم حرفت فهذا ليس خطأ
العامة الذين وصلتهم الكتب هكذا وعملوا بما فيها كما هى ظنا منهم أنها الحق؟
تناقشت فى هذا الأمر كثيرا مع الكثير من أصدقائى على
اختلافهم.. المفكرين.. والمتدينين.. والسلفيين.. وحتى الكثير من مديرى الصفحات
الدينية على مواقع التواصل الاجتماعى.. ولم أجد عند أحدهم يوما اجابة شافية لهذا
السؤال..
فأغلب الإجابات كانت تقول بأنهم كفروا لأنهم آمنوا بغير
الله والآيات القرآنية فى هذا المجال واضحة: " َقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ
هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " و " َقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ
ثَالِثُ ثَلاثَة ".. الى آخر الآيات التى تتحدث عن هذا..
وطبعا انى أؤمن بها وأصدقها وأثق تماما فى أنها العدل والحق الكامل طالما أنها
نزلت من عند الله عز وجل.. ولكنى كنت دوما شغوفا بفهم نظام العدالة الإلهى..
وكثيرا ما تفكرت فيه وفى كيفية عمله.. وانى أشهد أن ما وصلت اليه هو ما يستحق أن
يسمى "العدل" وأن ما دونه ليس الا "محاولات" دنيوية
"للبحث" عن عدالة وليس عدلا..
فكان لا بد أن أتوقف أمام هذا الأمر لأنى لا أستطيع أن
أفهمه ولا أن أفهم كيف يعمل. وهو معقد وشائك..
كنت دوما أضع نفسى مكان الإخوة من أهل الكتاب أو كما
يمون أنفسهم المسيحيين فأقول بلسان حالى.
"أنا ولدت على دين عيسى-عليه السلام- وفى دينى أن
عيسى هو الرسول وهو الإله وهو ابن الإله وإنى أؤمن بالثالوث المقدس كإله لهذا
الكون "الأب والإبن والروح القدس" وإنى كلما ذهبت الى الكنيسة استمعت
الى ما يرسخ هذه العقيدة فى وجدانى من قساوستى الذين أثق فيهم فهم من ينقل الى
الدين الذى هو أساس الحياة.. وفى كتابى أن عيسى هو خاتم الرسل.. ولم ترد الى اشارة
عن نبى يأتى من بعده.. وفى دينى أن عيسى الإله قد صلب وعذب حتى تغفر خطايانا بينه
بنو البشر.. هذا ما أعرفه وهذا ما أؤمن به.. وإن كان غريبا فأنا أؤمن به انطلاقا
من ايمانى بدينى وبإلهى وبالتالى قبولى كل ما يأتينى من عنده وفى كتابه.."
وبهذا التصور.. ما الذى يدفع المسيحى أن يصدق أحد على
غير دينه "مسلم" حينما يأتى ليقول له أن كل ما تؤمن به هو باطل؟ وأنه لا
يصح أن يكون اله البشر من البشر.. ولا يستقيم أن يحتاج الإله لمعاقبة نفسه حتى
تغفر ذنوب عباده.. ولا يستقيم كذا وكذا وكذا.. ما الذى يدفعنى كمسيى أن أصدق من
يأتى الى قائلا ان كتابى تم تحريفه منذ عشارت القرون على يد أحبار اليهود؟ ما الذى
يدفعنى الى ترك ما أؤمن به يقينا حتى أعتنق غيره؟
كنت دائما أتوقف عند هذه الأفكار وأقول أن ما ذنب من لم
يصله الكتاب كما أنزل؟ وما ذنب من وصلته نسخة مشوهه هى كل ما يملك ويتمسك بها ظنا
أنه يعبد خالق الكون كما أراد وكما أنزل فى كتابه؟ أليس هو فى هذا التصور مؤمنا
حقا؟ على دينه الذى وجده؟
لتقريب الفكرة الى عقولنا كمسلمين دعونى أضرب مثلا..
نحن كمسلمين اضطرتنا الظروف أن ننقسم الى سنة وشيعة منعا
لاختلاط الانحراف الشيعى بالمذهب السنى الذى هو ان شاءالله صحيح الإسلام..
لنفترض انى كمسلم سنى جائنى مبعوث للتشيع ينشر فكره
ويدعونى الى ما يخالف كتاب الله تعالى وسنة حبيبه المصطفى-صلى الله عليه وسلم- ما
هو التصرف المتوقع منى حينها؟
هل سألقى بكامل معتقداتى وكل ما آمنت به وأصدق ما يقول؟
هلى أنحى كلام جميع علمائى جانبا واستمع اليه؟ هلى أنكر ما نزل فى الكتاب الذى بين
يدى و أصدق كتابه؟؟
كلا لن يحدث هذا باذن الله.. لأنى أؤمن أن ما لدى هو
الحق وما سواه باطل
وكذلك هو الحال مع المسيحى الذى يؤمن أن ما لديه هو الحق
وأن ما سواه باطل
فالفكرة ليست فى محتوى الكتاب وانما فى مبدأ الإيمان
والتشبث بالعقيدة..
كنت عندما أصل الى هذه النقطة من الحوار مع أصدقائى
يقولون لى أن الإسلام ما جاء به قابل للتصديق ولذلك يسهل على العقل الإيمان به
بعكس ما يوجد فى المسيحية من قصص صلب الإله وغيره..
وكنت دوما أرى أن هذا ليس صحيحا.. فكثير مما جاء به
الإسلام يفوق قدرة عقولنا البشرية على الإستيعاب.. ونؤمن به "فقط"
انطلاقا من ايماننا بالله تعالى وبأن ما أنزله على نبيه هو الحق.. والدليل على ذلك
الحادث الشهير حينما ذهب كفار مكة الى الصديق وقالوا له ان محمدا يزعم انه سافر من
البيت الحرام الى المسجد الأقصى فى ليلة واحدة والرحلة تأخذ شهرا.. فما كان من
الصديق الذيى وزن "إيمانه" ايمان الأمة كلها الا أن قال: "لو أن
محمدا قالها فقد صدق".. أو كما قال رضى الله عنه وأرضاه
اذا فنحن أمام جواب لم ينبع من العقل لأن الحدث يفوق
قدرة العقل أصلا.. وانما هو جواب نابع من الإيمان.. نابع من العقيدة.. نابع من
تصديق "كل" ما يأتى من عند من آمنا به خالقا..
والكثير من القصص والأخبار فى الإسلام تفوق قدرة العقل
البشرى المجرد على الإستيعاب.. ولولا أن "الإيمان" يدعم العقل عند هذه
النقاط لكفرنا كلنا عن بكرة أبينا أو لعشنا فى حيرة دائمة وفى تناقض مستمر داخل
عقولنا بسبب ما ينبغى علينا تصديقه وهو غير قابل للتصديق أصلا..
فالإيمان و ذلك الحل السحرى الذى يحول أعقد الألغاز التى
تحير العقل الى شىء يتقبله العقل بمنتهى الراحة والإطمئنان والسكون اعتمادا على
أنه طالما أنه من عند الله فهو حق..
وهكذا فصاحبنا المسيحى ليس غريبا عليه أن يصدق أن المسيح
هو الإله وانه ابن الاله وأنه قد صلب وأنه عذب و.. و.. و.. الى آخر ما نؤمن أن
اليهود ابتدعوه فى كتبهم ويؤمنون هم أنه من عند خالق الكون..
اذا فمن هم؟ وما هم؟ هل هم أهل كتاب؟ أم هم كفار؟ هل هم
من أهل النار بالضرورة؟ أم أن منهم من سيدخل الجنة؟ واذا كانوا من اهل الكتاب على
ما هم عليه فما تفسير الآيات التى تتحدث عن كفر من يقول فى المسيح انه الإله؟ واذا
كانوا كفارا فما ذنبهم أنه تم تشويه كتابهم؟ ومن هم أهل الكتاب فى هذه الحالة؟ وان
كان اهل الكتاب قد انتهوا بمجىء الإسلام ومن بقى منهم يعتبر كافرا كما قال لى
أصدقائى السلفيين.. اذا فما الداعى للحديث عن أهل الكتاب فى القرآن أصلا اذا كانوا
انتهو بنزول القرآن؟؟
وأنهى مقالى هذا وقد بقى معى سؤالى حائرا يبحث عن مجيب..