والحمدلله عدت المرحلة الأولى من انتخابات الرئاسة فى مصر على خير وأثبتنا اننا شعب فريد من نوعه.. قام بثورة على نظام قطبيه الحزب الوطنى والإخوان وفى الانتخابات لم تخرج اختياراته عما اعتاده سلفا لنؤكد فى النهاية اننا عكس ما يتهمنا به اخواتنا العرب من دول الخليج منذ الثورة.. فقد أثبتنا بكفائة واستحقاق اننا شعب "مش" قليل اللأصل وبنصون العيش والملح ولا يمكن أبدا نسعى الى اى تغيير من أى شكل أو نوع كان اللهم الا اذا كان تغيير من نوعية "دا اسود؟.. لأ دا أسمر".
المرحلة الأولى من الانتخابات كان ليها جوانب ايجابية وأخرى سلبية لسنا هنا بصدد الحديث عن أى منهم لكن من ربما يتصدر الجوانب الايجابية حسن تنظيم العملية الانتخابية ونزاهة الاقتراع اللى شهد بيها الجميع واللى يعد نجاح كبير للقوات المسلحة المصرية -التى كثيرا ما تطاول عليها أصحاب المصلحة ومن يستغلون حالتهم الثورية من الشباب النقى الثائر- وبالطبع قضاة مصر الأفاضل والذين طالهم التطاول كما طال غيرهم من رموز مصر.
وربما يتصدر قائمة السلبيات عزوف المواطنين عن المشاركة فى الانتخابات حيث جاء الاقبال ضعيفا للغاية فى مشهد غريب لم يكن فى الحسبان ان نراه فى اول انتخابات وانا شخصيا لا اعرف له تفسيرا منطقيا حتى الآن.
وانتهينا من المرحلة الأولى بنتيجة "العودة الى المربع صفر" حيث أتت الصناديق بالوجوه المعتاده وصار علينا الاختيار بين أحد أوجه النظام القديم متمثلا فى الفريق أحمد شفيق و بين أحد الأضلاع الرئيسية فى النظام القديم متمثلا فى "جماعة الإخوان" ولا استطيع ان اسمى مرشحهم فقد كان "استبن" وربما يتم تغييره مرة أخرى أثناء كتابة المقال!
الكثير ينظر للأمر على انه اختيار بين الثورة وبين الثورة المضادة.. والكثير ينظر على انه اختيار بين الحرية والعبودية وبين الصالح والفاسد..
وربما من الوهلة الأولى والنظرة السطحية نجد أن هذه هى الصورة فعلا ولكن اذا تعمقنا فى المشهد أكثر بنظرة تحليلة أكثر عمقا ربما نجد أن الحاجة موناليزا ليست بالجمال الأسطورى الذى طالما صدعونا به! وأنها ليست الا امرأة عادية تخدع الناظرين بضحكتها التى تراها من جميع الزوايا فيخيل لهم انها جميلة!
دعونا من الحديث عن الفريق شفيق.. أو دعونا نرجىء الحديث عنه فالجميع يعلم من هو أحمد شفيق وتاريخه مع النظام السابق الى آخره وليس هناك ما يمكن أن يقال لتجميل صورته أمام شعب ثار على نظام كان هو أحد أفراده بغض النظر عن تقديرنا لدوره فى هذا النظام ومساحة هذا الدور.
ولكن دعونا نتناول الإستبن أو مرشح الإخوان (سبحن الله دى حتى الكلمة فيها "تبن" وهى اشارة لبعض المخلوقات اللطيفة!) أو بالأحرى دعونا نتناول الإخوان كجماعة ونقيم أدائها ونضعها على مقياس الثورة..
اذا سلمنا بحقيقة أن الفريق شفيق ليس بأى حال من الأحوال معبرا عن الثورة وهى حقيقة لما يجتهد هو نفسه فى انكارها.. ما الذى يجعلنا نظن أن الإخوان هم ممثلى الثورة؟
تعالوا نراجع بعض مواقف الجماعة سريعا حتى نقيمهم بمقياس الثورة..
1 - الإخوان قبل الثورة كانوا الفصيل الوحيد الذى أعلن "صراحة" على لسان متحدثهم الرسمى عصام العريان عن ""عدم"" مشاركتهم فى مظاهرات 25 يناير بل ووجهوا 10 نصائح "للحكومة" لتصحيح مسارها فى الوقت الذى كان يجتهد فيه الشباب لدعوة الناس لاسقاط الحكومه بمجلس شعبها ورئيسها.
2- شارك الإخوان فى الثورة من اليوم الأول أو الثانى لا أحد يعلم ولكن الأكيد ان وجودهم كان مؤثرا فى حماية العديد من الأرواح فى موقعة الجمل وهو فضل لا يمكن أن ينكره الا جاحد.
3- بعد الثورة كان الإخوان أول من بدأ تقسيم المجتمع المصرى.. فعندما نادت القوى الثورية بدستور جديد (مطلب الميدان فى الثورة) وافقوا هم على تعديل دستورى ردىء الصياغة -وبالمناسبة فقد صيغ بأيدى اخوانية أيضا- واتهموا كل من خالفهم بالعمالة والخيانة ومعاداة الإسلام وبذلك ارتكبوا جريمتين الاولى شق الصف الثورى بعدما توحد لأول مرة فى الميدان والثانية زرع بذور الطائفية والحشد الدينى لأغراض السياسة وهو ما سنعانى منه لفترة لا يعلم مداها الا الله حتى نتعلم دين ودنيا.
4- استخدامهم كل الطرق الغير شريفة من دعاية "حلال وحرام" الى "تضليل الناخب" و "خرق الصمت الانتخابى" و "الرشاوى الانتخابية" وتشويه المنافسين بالباطل مثل ما حصل مع النائب مصطفى النجار فى أحد دوائر مدينة نصر للوصول الى كراسى البرلمان وهى كلها أساليب لا يمكن أن تصدر من جماعة يفترض أنها تحمل شعار الدين مثل الإخوان.
5- بعد وصولهم للبرلمان وسيطرتهم على نسبة 47.8% تقريبا(حوال 286 مقعد) كشف الإخوان عن وجههم الحقيقى وقاموا بالاستيلاء التام على جميع لجان البرلمان (16 لجنة من أصل 19 برئاسة اخوانية و 3 لجان للسلفيين ولجنة واحدة للشعب المصرى) وحتى لم يأت توزيع نسب اللجان على القوى البرلمانية عادلا فالاخوان لم يحصلوا الا على اقل من نصف المقاعد فكيف يستولوا على أكثر من 70% من اللجان؟؟ أليست بادرة سوء نية منهم ودليل على رغبة فى الاستحواذ والسيطرة على كل شىء وهم دائما ما صدعونا بأن مصر لا يمكن أن ينهض بها فصيل منفر..
ولكن كما تعودنا منهم فهم يقولون ما لا يفعلون ويفعلون غير ما يقولون.
6- رغم وعود الاخوان المتكررة بعد الثورة بعدم سعيهم لمنصب الرئاسة فإنهم كالمعتاد خالفوا ما وعدوا به وطرحوا مرشحين أحدهما أصلى يعلمون يقينا أنه سيخرج والآخر "إستبن" كما وصفوه والهدف من اللعبة واضح وهو الحول على تعاطف شعبى بعد استبعاد مرشحهم الأول..
والطريف هنا هو التفسيرات المهلهلة التى أخرجها الاخوان لتبرير كذبهم خداعهم وهى فى الواقع مبعث للغثيان حيث نرى فيها بوضوح اصرارهم على خداع الشعب بحجة ان العسكرى منعهم من حل الحكومة رغم انهم يعلمون يقينا ان سلطة حل الحكومة ممنوحة لرئيس الجمهورية فقط أو من ينوب عنه-العسكرى فى هذه الحالة- بقوة الإعلان الدستورى الذى كانوا هم السبب فى تمريره. فلا يصح ان يستغلوا جهل الشعب بأمور السياسة ويخدعوه بهذه الحجة الزائفة والتى تكشف مرة أخرى انهم ليسوا أهلا للأمانة.
7- لن أتحدث عن المشكلات بين شباب الثورة والإخوان فأنا نفسى مختلف كثيرا مع الثوار منذ وقت الاستفتاء وحتى اليوم الا انى سأكتفى بالنقط التى تمس الوطن ككل وليس فصيل بعينه.. ولكن أرجو ان يضع شباب الثورة انفسهم تلك النقط فى حساباتهم لأنها جل ما كانوا يدافعون عنه ليل نهار فى الخمسة عشر شهرا الماضية.
8- ودعونا لا ننسى كيف أن البرلمان لم يخج قانون عزل الفلول(أحد مطالب الميدان الرئيسية فى ال 18 يوم) الا بعدما احتاجوا اليه خوفا على حظوظ مرشحهم بعدما نزل عليهم خبر ترشح عمر سليمان كصاعقة دكت كيان مكتب الارشاد وافقدته صوابه فساروعا لاستصدار قانون معيووووووب وغير دستورى بالمرة فى أقل من 48 ساعة ""فقط"" كى يظلوا هم على الساحة.. والا فلماذا لم يصدر من قبل رغم اعلان شفيق وموسى خوض الانتخابات منذ أشهر؟؟
9- وأخيرا ما خرج علينا به الإخوان أمس من ضرورة التوحد لانقاذ الوطن وهى عبارات الخداع المعتادة التى يستخدموها لتحقيق مصالحهم ودعوتهم للجميع للتوحد خلف مرشحهم بعدما لم يعد هناك غيره فى السباق.. ولمن ينسى سريعا فقد دعا الاخوان من قبل للتوافق على مرشى رئاسى واحد "شريطة أن يكون مرشح الإخوان".. وخد بقى تيييييييييييييييت من هنا لآخر الشهر
يا ترى عند وضع الإخوان على ميزان الثورة.. كم من 10 سيأخذون؟
من يشأ انتخابهم فلينتخبهم لكن لا تقولوا لأنهم ثوريين أو لأنهم ممثلين للثورة أو لأنهم أقل فلولية من النظام السابق فحيثما أرى هم نسخة كربون من النظام السابق من حيث عدم الوفاء بالعهود والمواثيق ومن حيث السعى خلف المصلحة الشخصية ومن حيث سياسة الاقصاء والا يتحكم غيرهم او يتواجد غيرهم...
هؤلاء هم الاخوان ومن يشأ أن يطمأن لهم فذنبه.. للأسف ذنبه على الشعب وليته على جانبه فقط.
الاختيار الآن يا سادة ليس بين النظام القديم أو الثورة.. وانما الخيار الآن هو نفس ما كنا نختاره فى مطعم النظام القديم.. نفس قائمة مطعم انتخابات برلمان 2005 و 2010.. الوطنى أم الاخوان(ونراعى هنا أن الإخوان ""فقط"" هم من كان يسمح لهم بالتواجد فى الانتخابات دون غيرهم من التيارات.. لا سلفيين ولا اشتراكيين ولا حتى المواطن العادى.. اما ان تكون وطنى او اخوانى لتشارك فى مهزلة الانتخابات)
وبالتالى فنحن ما زلنا فى النظام القديم والوضع لم يتخير وأى اختيار لن يؤدى بنا الى ما نتمناه ولن يؤدى الى نظام جديد أمثل ولذلك يجب التفكير بطريقة مختلفة..
لماذا لا نختار مرسى؟
- لا نختار الاخوان لأكثر من سبب:
1. أولا كل ما سبق عرضه من مواقف.
2. منحهم سلطة الرئاسة فى ضوء استحواذهم على باقى السلطات وبالطبع تشكيلهم الحكومة الجديدة بعد الانتخابات والتى ستأتى اخوانية بنسبة لا تقل عن 98% يعنى عودتنا مرة أخرى الى النظام القديم وحكم الأوتو قراط.. فاذا كنا نقول ان النظام القديم فكر وليس أشخاص فاننا نكون قد بدلنا الأشخاص و أبقينا الفكر والأسلوب ولكن استبدلنا حكم الوطنيـ-قراط بحكم المرشـ-قراط.
3. لا يوجد أى ضمانة واحدة ان الاخوان سيلتزمون بما يقطعوه من عهود اليوم فى ضوء ما بدر عنهم من مخالفة كافة العهود التى قطعوها بالأمس.
وبخصوص شفيق.. ما الذى يرجح كفته بالنسبة لأمثالى عن كفة مرسى؟
1. أولا عدم صلاحية الجانب الآخر استنادا لما سبق وبالتالى فلم يعد خيارا.
2. ضمان عدم تسليم السلطة كاملة الى فصيل واحد بغض النظر عن اختلافنا او اتفاقنا على مقدار الوطنية الكامن فيه.
3. وجود رئيس مثل شفيق سيكون الوسيلة "الوحيدة" التى تضمن قدرا من التوحد بين طوائف الشعب ضده حتى يظل تحت رقابة "خنيقة" طوال فترة حكمه التى سنجعلها من أسود أيام عمره اذا قرر الانحراف وبالتالى سيكون مجبرا على ان ينحاز للشعب ولو على كراهية منه.
4. الدستور عندما يوضع بعيدا عن مؤسسة الرئاسة سنستطيع التحكم فيما يحصل عليه من صلاحيات وليس له حق الرفض فالموافقة على الدستور لا بد ان تكون من الشعب وبالتالى سيضمن انه سيكون تحت السيطرة وسيجبر على احترام القانون وليس كما كان ايام مبارك.. وما سيجبره هنا هو يقظة الشعب لما قد يبديه من انحراف والشعب هو الضمانة الوحيدة التى أستطيع أن أثق فيها كما أثق فى انتفائها فى حال وصول الاخوان لقصر الرئاسة.
هذه هى الأسباب الرئيسية وهناك بعض الكماليات الفرعية مثل ان اختصاص شفيق فى النظام السابق كان وزارة غير سياسية واجاد فيها بشهادة الجميع رغم ما يمكن ان يكون قد حدث من تجاوزات الا ان مستوى الخدمة تغير دون شك فى الوزارة التى كان يعمل بها كما انه يحمل فكرا اداريا دون شك عالى الجودة بحكم طبيعته الفكرية والثقافية وعمله فى مجال يتطلب تعاون وتنسيق دولى وهذا ليس مستنبط وانما استشعرته فى حديثه.
بناءا على ما سبق.. فإنى باذن الله سأعطى صوتى لشفيقفى الاعادة..
ليس لأنه الأفضل
وليس لأنه حتى جيد.
وليس لأنه ما تتمناه مصر.
وليس لأنه ما تستحقه مصر.
وليس لأنه ما تحتاجه مصر..
ولكن فقط لأن البديل أسوأ كثيرا كثيرا كثيرا منه.. فالبديل هو "الفلول الحقيقييون"
والحمدلله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا ان هدانا الله.
والله الموفق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق