من كام شهر انتهت الفترة التالتة لرئاسة الدكتور محمد البرادعى لوكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة و رجع د. البرادعى لمصر وتفرغ للعمل السياسى الداخلى فى مصر.
مجىء البرادعى لمصر كان عامل زى الإعصار اللى ضرب غابة.. تحركات البرادعى السياسية أدت فى وقت بسيط جدا لمجموعة كبيرة من التغيرات فى مصر على النطاقين الشعبى والحكومى.. وده يمكن ظهر جدا فى:
- اتساع الرقعة الشعبية المأيدة لأفكار التغيير وتصحيح أوضاع البلد.
- زيادة الوعى عند مختلف طبقات الشعب بأهمية المشاركة السياسية والمطالبة بحقوق المواطن وانهاء حالة السكوت اللى استمرت 30 سنة فى حكم فاسد.
- الحرب الشرسة من الاعلام الحكومى على د. البرادعى بصفته وشخصه وهى عادة حكومية بيمارسوها أول ما تظهر شخصية سياسية فيها ملامح الخطورة على وضع النظام.. لكن المرة دى لعبتهم القذرة مش ممكن تجيب نتيجة لأن الخصم مش زى خصم كل مرة.. المرة دى فى خصم حقيقى وقوى شايل معاه آمال ملايين المصريين(مش هقول كلهم لأن ليه معارضين) اللى بيحلموا بمصر أفضل بالمعايير الطبيعية للأفضل مش بمعايير الحزب الوثنى.
مع ظهور البرادعى بدأت القوى السياسية المختلفة فى الدولة من حزب وثنى (وطنى سابقا) واخوان (الفرع التانى من الحزب الوطنى) وأحزاب المعارضة التانية زى الكرامة و أشلاء الوفد والتجمع اللى اتحولوا لأحزاب حكومية و د. أيمن نور وطبعا الحركات الشعبية الجديدة زى كفاية و 6 أبريل والجمعية الوطنية للتغيير (اللى أسسها مؤيدى البرادعى تحت رآسته شخصيا).. كل دول بدأوا بالتحرك فى خطى كبيرة نحو أهدافهم سواء أكانت اصلاحية أو زى أهداف الحزب الوثنى.
فى وسط الحركة الكبيرة فى الشارع السياسى والشعبى المصرى دلوقت اتضح ان البرادعى هو الأبرز على الساحة لما يملكه من سمعة محترمة فى دول العالم كلها وتاريخ مشرف أثناء رآسته لوكالة الطاقة الذرية وكمان حب وتأييد شعبى من الناس اللى هدفها مصر مش حزب معين.. و أهم من كل ده.. طريقة تحركات البرادعى نفسها واللى بينت انه انسان فاهم كويس جدا هو بيعمل ايه وانه اذكى من انه يقع فى الأخطاء اللى وقع فيها اصلاحيين من قبله واستفاد منها النظام.
ومع تحركات البرادعى الواسعة بدأ الحزب الوثنى حربه المكررة والمعتادة بنفس الأسلوب وبنفس الطريقة وبنفس الاتهامات اللى بقت عامل زى علاج نزلة البرد.. محفوظة عند الشعب كله.. بدأت حملتهم للتشكيك فى وطنية البرادعى وحبه لمصر وولائه للدولة.. وبدأنا نقرا فى الصحف الحكومية عن ان البرادعى ده راجل مش مننا ومش يعرف حاجة عن بلدنا وانه عميل لأمريكا واسرائيل وانه كان السبب فى حرب العراق.. وكمان بدأ الحزب الوثنى يروج عن طريق الإخوان ان البرادعى شخص علمانى وهيبعد مصر عن طابعها الدينى اللى بتتميز بيه.
طبعا نفس الاتهامات المستهلكة المعتادة المكررة واللى تدل عن ان اللى قالوها مش بيفهموا حاجة فى أى حاجة أصلا ويمكن واحد منهم أكد كلامى ده لما كتب مقال فى صحيفة حكومية (روز اليوسف أعتقد) بهدف نفاق الريس بس وسعت منه شوية.. كتب عن البرادعى وقال: "مين البرادعى ده؟؟".. آه والله.. وطبعا ده مش غريب ان رئيس تحرير جريدة حكومية يكون مش عارف شخصية فى حجم البرادعى لأن هو ده المستوى الإحترافى والفكرى المنتظر من ناس بتكتب كلام زى اللى هما بيكتبوه ده.
الجميل فى الموضوع ان دكتور البرادعى قال فى حوار مصور مع الأستاذ الرائع/ ابراهيم عيسى انه مش بيقرأ الكلام اللى بينكتب عنه وانه لم يقرأ 95% من النقد الموجه ليه لأنه-على حد قوله- أكتر شخصية بتنتقد من بداية توليه الوكالة وحتى الآن"
البرادعى لأنه شخص بيحترم اسمه ومكانته الشعبية والدولية ترفع عن انه يرد على حقراء وتافهين حجم أكبر واحد منهم بالنسباله زى حجم الذرة بالنسبة للكوكب..
طيب ليه البرادعى؟؟
طبعا انا هنا بعبر عن وجهة نظرى الشخصية.. أو على الأقل وجهة نظرى انا وملايين المؤيدين ليه فى الجمهورية كلها.. ودى هى الأسباب اللى خلتنى أأيد البرادعى فى حملته للإصلاح...
1) أنا كمصرى البرادعى بيمثل ليا مصدر فخر كبير لأنه شرفنى وشرف بلدى ورفع علم بلدى فى محافل دولية مهمة وقال للعالم كله ان النسر المصرى قادر انه يتميز فى أى مجال يتحط فيه.
2) انا رغم حبى الشديد للبرادعى بشخصه.. فأنا تأييدى للبرادعى نابع من صفته مش شخصه.. بالنسبالى البرادعى السياسى هو أستاذ القانون الدولى وشخص محنك جدا سياسيا رغم انه مش سياسى وعنده خبرة كبيرة جدا فى التعاملات الدولية نتيجة الفترة اللى عمل فيها فى الوظائف الدولية المختلفة اللى شغلها.
غير كده كمان, البرادعى راجل حاسس بمصر وبشعب مصر وبمعاناة الشعب وزيه زى أى مصرى شريف شاف انه واجب عليه انه يحارب عشان يغير ودى حاجة تستحق الإحترام.. واللى هيقول ان البرادعى مش مننا ومش حاسس بينا ممكن ببساطة يفكر مع نفسه وهيعرف ان البرادعى مش محتاج انه يبقى رئيس دولة بعد كل المناصب اللى شغلها فى حياته دى.. واحد زى البرادعى يقدر يعيش ملك فى سويسرا ويتقاعد بقى ويقضى ايامه اللى جاية فى راحة بعيد عن المشاكل و دى حاجة بيعملها معظم الناس اللى فى وضعه وبالذات لو كانوا بالمواصفات اللى الحزب الوثنى بيروجها عن البرادعى. لكن البرادعى فضل على راحته انه يقضى بقيت عمره يقضى المرحلة اللى جاية فى خدمة مصر.
3) البرادعى سياسيا بالنسبالى فكرة.. والفكرة أقوى من الشخص لأنها مش بتموت بموته وبتيجى عقول تانية من بعده تكملها.. البرادعى ما جاش بجديد.. البرادعى قال نفس اللى 80 مليون مصرى بيقولوه.. ان البلد محتاجة تغيير. لكن المختلف فى البرادعى انه مش بس بيتكلم.. د. محمد بيتحرك, وحركات موزونة وعاقلة جدا.. وكل خطوة عملها لو اتحللت هتبين قد ايه هو انسان فاهم جدا اللى هو بيعمله.. البرادعى كان ممكن يعمل زى ما د. أيمن نور(أنا من معجبيه على فكرة) عمل فى 2005 ويأسس حزب أو ينضم لحزب وينزل انتخابات 2011.. لكن البرادعى ذكى وعارف ان أى انتخابات فى ظل الدستور الحالى هى كلام فارغ وتمثيلية كدابة هدفها إضفاء شرعية مغتصبة على نظام مغتصب.. عشان كدة هو بدأ الطريق من أوله.. خاطب الشعب وطلب منهم يقفوا معاه ويطالبوا معاه بتغيير مواد الدستور اللى بتفصل كرسى الرئاسة على قد بنطلون مبارك وابنه(مع مراعاة فرق الطول طبعا).. ودى خطوة سليمة وخطوة أساسية أهم من خطوة الترشيح للرآسة نفسها.. لأن مفيش معنى انه ينزل انتخابات هو عارف مسبقا انها مزورة وانه هيخسر فيها كتير.. هيخسر اسمه وهيخسر سمعته وهيتحول لكارت محروق.. والأسوأ من كدة انه هيخسر(بتشديد السين) ملايين المصريين أملهم فى غد جديد تشرق شمسه على مصر.
4) من الاتهامات اللى اتوجهت للبرادعى.. انه ما عملش حاجة من ساعة مارجع مصر أكتر من انه طرح جمع التوقيعات للمطالب السبعة...
طبعا اللى متابع البرادعى فى حواراته ولقاءاته هيقدر ببساطة يفهم طريقة تفكير د. محمد ويعرف حاجتين مهمين جدا...
- أول حاجة ان د. محمد شخص كتوم جدا وعلى الأخص فى الجوانب المتعلقة بتحركاته العملية سواء لما كان رئيس للوكالة أو دلوقتى فى العمل السياسى الداخلى.. د. محمد بيطلع كل كلمة بحساب وكل كلمة فى معادها ووقتها اللى المفروض تخرج فيه
أبسط دليل على كدة فى آخر حوار أجراه د. محمد مع الأستاذ/ ابراهيم عيسى.. عيسى سأله نفس السؤال ده وقاله هل صمتك ده صمت بناء(يقصد فى وراه خطوات مترتبة لتحركات أخرى) ولا ايه؟ البرادعى رد فى كلمتين: "صمت بناء".. وما زودش حرف
وده يتفهم منه انه لسه عنده اللى يقدمه لكن لسه ما جاش وقت الإعلان عن ده.
- تانى حاجة ان د. محمد شخصية معروفة وموثوق فيها و"تقيل" سياسيا.. يعنى مش محتاج انه يكشف كلأوراقه عشان ينال ثقة الشعب ومش محتاج يعمل شوهات ويقول أنا هعمل وأسوى عشان يكسب تأييد الناس.. الناس كلها عارفة مين هو البرادعى وعارفة قدره وقيمته ومش مستنية انه يقول انا عندى كذا وكذا عشان يصدقوه.. انا شخصيا مقتنع جدا ان ورا نضاراته الشيك دى فى كتيييييييييييييييييييييييير هتكشف عنه الأيام الجاية باذن الله.
5) من الاتهامات اللى اتوجهت للبرادعى برده.. انه عميل وبياخد الأوامر من بره.. وانا من أسبوع(قبل كتابة المقال) كنت بتكلم مع فرد من الإخوان سنه فوق الخمسين وقاللى بالنص: "البرادعى قابل واحد من عندنا وراح سافر أمريكا تانى يوم.. طبعا كان بياخد الأوامر"..
نسى صاحبنا ان بقى فى حاجة اسمها وسائل اتصال.. وكأن البرادعى فى كل خطوة(ده لو كان زى ما بيقول عميل) محتاج انه يركب طيارة ويطير 17 ساعة عشان يقولوله هناك اعمل كذا وكذا.. وطبعا ده كلام فاضى.
غير كده.. سفر البرادعى الكتير للخارج منطقى ومبرر نظرا لأنه راجل قضى عمره كله بالخارج فمن المنطقى والطبيعى انه يكون ليه ارتباطات والتزامات فى الخارج.. ما هو بشر برده.
وعلى حد علمى ان البرادعى رد على الشخصية التى لا تستحق الحد الأدنى من الإحترام "عمرو أديب" فى النقطة دى وقاله انه فى خلال شهرين هيكون باذن الله صفى كل أعماله فى الخارج واستقر تماما فى مصر.
6) واحدة من المهتمين بالسياسة والقارئين الجيدين للشؤن السياسية داخليا وخارجيا (لكن هواها مع النظام للأسف) قالتلى: "أنا مش مع البرادعى على فكرة.. لأن البرادعى كان زمان بيحب الريس ومش معترض عليه وفجأة بقى معارض.. ده يبقى اسمه نفاق"
وطبعا دى نقطة لاغية نفسها.. عمر ما كان فى توافق بين النظام والبرادعى فى أى مرحلة من مراحل حياته أو حياة والده.. و يكفى دليل على كده ان البرادعى ما اتكرمش من مصر بلده (المحتلة من النظام المباركى الملكى) لما حصل على جائزة نوبل (مع العلم انها مش الجائزة الوحيدة اللى حصل عليها وبرده ما اتكرمش فى بلده).. وحتى حفل تسليم الجايزة ما حضرهوش مصورين من التليفزيون المصرى وأى حد يقول ان الكلام ده مش سليم يبقى محتاج عملية غسيل مخ عشان ينضف دماغه من آثار الحزب.
7) البرادعى لما رجع مصر ما طلبش انه يترشح للرئاسة وما سعاش ليها.. وحتى الآن البرادعى لم يعلن انه هيترشح للرئاسة وإنما اللى البرادعى جه بيه هو التغيير والسعى ليه بخطوات جادة. والدليل الأكبر على كده اللى البرادعى قاله بنفسه لما أكد أكتر من مرة انه بيحاول يفتح الباب لوجود انتخابات نزيهة و ديموقراطية حقيقية فى البلد يستفيد منها المواطن المصرى فى تحسين ظروف معيشته. أيا كان المرشح للرئاسة وأيا كان اختيار الشعب.. لأن المشاركة فى الانتخابات بالوضع الحالى هو قتل لعملية الديموقراطية فى الدولة وإضفاء شرعية على وجود نظام ديكتاتورى مزور مزيف.
لكن كل الكلام عن ترشيح البرادعى للرئاسة ما هو الا مطالب شعبية من ناس مقتنعة بالدكتور البرادعى بجد وناس عايزة صالح مصر بجد. و أدينا كلنا ندعى ان ربنا يولى من يصلح.
8) الإخوان أثاروا نقطة مهمة.. وهى ان البرادعى شخص علمانى وهيدفع بالدولة نحو العلمانية مش الإسلامية. وهى نقطة إثارتها مهمة بغض النظر عن نية الإخوان من إثارتها واللى انا أشك انها كانت مصلحة البلد.
الرد على النقطة دى من جزئين..
- الأول.. رد البرادعى نفسه لما قال انه مسلم وانه لما استلم جائزة نوبل كانت من أولى الكلمات اللى قالها على منصة التكريم: "أنا مسلم". وأعتقد انه لو كان علمانى مكانش افتخر بدينه فى محفل دولى وكان-حسب الفكر العلمانى- اعتبره من مظاهر التخلف وانه حاجة منفصلة عن الدنيا والسياسة وان ده مش مكانها وكان اتدارى منها.. وده طبعا ما حصلش.
- التانى.. من خلال تحليلى الشخصى لشخصية البرادعى فأنا مؤمن تماما انه أذكى بكتير من انه يدخل مع الشعب المصرى فى صدام عقائدى.. بغض النظر عن درجة تدينه أو مساحة الجانب الدينى فى حياته فهو أذكى من انه يقع فى الخطأ ده فى دولة شعبها أتصنف الأكثر تدينا فى العالم (سواء كانوا مسلمين أو مسيحين).. أنا شخصيا مش قلقان من الناحية دى.. والله أعلم
فى الختام أحب أوجه دعوة لجميع الأحزاب والحركات والأفراد اللى هدفها فعلا مصلحة مصر من غير أهداف شخصية انها تفتح باب للحوار مع البرادعى وتسمع اللى عنده عشان لو اتوجدت صيغة للعمل المشترك أكيد هتكون أفضل بكتير من العمل الفردى.
وأحب أوجه نداء خاص للنائب المحترم/ حمدين الصباحى بعدم الإلتفات لمطالب أفرد حزبه بالترشح لانتخابات الرئاسة القادمة فى الوضع الحالى لأن زى ما قلنا دى مش انتخابات واللى مبارك عايزه هو اللى هيكسب فى ظل اشراف الحزب الوثنى على الانتخابات وبكده يبقى وجود الصباحى فى الانتخابات أضر بالعملية الديموقراطية فى الدولة مش فادها لأنه هيضفى شرعية على نظام فاسد.
وأحب أوجه نداء للمحترم د. أيمن نور انه يفتح باب للحوار مع د. البرادعى لأن ده هيكون أكيد أفضل من تحركه بمفرده.